هموم المجتمع في ديوان "بلابل وأبابيل"تحليل اجتماعي في شعر هاشم الشخص

مقدمة:-
في ديوان “بلابل وأبابيل”، يبرز الهم الاجتماعي بشكل جلي في قصائد الشاعر السيد هاشم الشخص، حيث يعكس مواقفه الإنسانية الرافضة للظلم والتفاوت الاجتماعي. يتناول الشاعر في قصائده هموم مجتمعه بصدق وشجاعة، محاكيًا هموم الفرد والجماعة في سياق اجتماعي مليء بالتحديات. فهو لا يقتصر على التعبير عن معاناته الشخصية فقط، بل يمتد تأثير شعره ليشمل معاناة المجتمع ككل، ويعكس بوضوح نداءاته المستمرة للتغيير والعدالة.

تظهر هذه الروح المجتمعية في العديد من قصائده، ومنها قصيدته الشهيرة “أمة القرآن” التي يتوجه فيها إلى الأمة الإسلامية داعيًا إياها للعودة إلى النصر والعدالة، وتتمثل تلك الدعوة في الأبيات التالية:

“يا أمةَ القرآنِ عودي
للنصر خفّاقَ البنودِ
يا قبلةً للطامحينَ
ومنهلاً للمستفيدِ
الفجرُ من عينيك فرَّ
شعاعُهُ فوقَ النجودِ”

هذه الأبيات تعكس الحنين إلى قوة الأمة ووحدتِها، والتأكيد على دورِها الرائد في إحداث التغيير. الشاعر يُعبّر عن أمله في أن تستعيد الأمة الإسلامية مكانتها كقوة تقود العالم نحو العدالة والنصر، وهو نداء يعكس قلقه على حال الأمة في وقت يراه مشوبًا بالتحديات والمحن.

وفي سياق مماثل، نجد الشاعر في قصيدته “أضأت كعالي النجم” يتناول موضوعات العدالة والحرية والتمسك بالمبادئ رغم الظروف الصعبة. تتضح في هذه القصيدة الروح الثورية التي تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يُعبر الشاعر عن رفضه للظلم في الأبيات التالية:

“هلموا إلينا فالتسامحُ نهجُنا
وهيهاتَ أرضى أن أجورَ وتخضعوا
وإنَّ التقى أن أحفظ الود والإخا
وليست بأن أبدي الإخاء فتُخدعوا”

هنا، نجد أن الشاعر يُعبر عن رفضه للاستسلام للظلم أو التسامح في سياقات تُخالف العدالة. يشدد على ضرورة التمسك بالمبادئ مهما كانت الظروف، مما يعكس فهمًا عميقًا للعدالة الاجتماعية.

وبالإضافة إلى ذلك، نجد الشاعر يعبر عن فكرة الترابط والوحدة بين المسلمين والتضامن المجتمعي في مقطوعة مميزة، حيث يقول:

“يا من مننتَ على الورى بمحمدٍ
وبآلهِ الشفعاءِ والرحماءِ
ألِّفْ قلوبَ المسلمينَ بحبِّهِم
كي ينعموا بمحبةٍ وإخاءِ
واجمعْ شتاتَ العالمينَ بهديهم
كي يظفروا بترابطٍ وولاءِ”

هذه الأبيات تظهر دعوة الشاعر للوحدة بين المسلمين تحت راية الدين، وكيف أن التعاون والتضامن هما أساس التغيير المجتمعي نحو الأفضل.

من خلال هذه القصائد، يظهر الهم الاجتماعي في شعر السيد هاشم الشخص كإطار يعكس قلقه العميق على مصير مجتمعه. الشاعر لا يكتفي بالحديث عن معاناة الأفراد فقط، بل يتناول قضايا العدالة، الوحدة، والحرية التي تمس المجتمع ككل، ليؤكد على ضرورة التغيير الاجتماعي و التضامن في مواجهة الظلم والفساد. يتراوح شعره بين الدعوة إلى الوحدة والعدالة، وبين الرفض القاطع للظلم والاستغلال، مما يجعل ديوانه مرآة حقيقية للهموم المجتمعية التي يعاني منها الفرد والجماعة.

وبناءً على ما تم استعراضه من مفاهيم ومواقف اجتماعية في مقدمة شعر السيد هاشم الشخص، سنستعرض الآن مجموعة من الشواهد الشعرية التي تجسد بشكل ملموس الهم الاجتماعي في ديوانه، حيث يُعبر الشاعر عن معاناة المجتمع وأمل التغيير من خلال التمرد والتمسك بالمبادئ
في ظل الظروف الصعبة، مُبرزًا تماسك الأفراد واستجابتهم الجماعية للتحديات التي يمرون بها في الأوقات العصيبة:

“يدُ الأعداءِ عاثتْ في حمانا
وعاثَ بجورِهِ الباغي العنيدُ
دمُ الاحرارِ نزفٌ من دمانا
وقد عزَّ المناصرُ والعضيدُ”

في هذه الأبيات، يتحدث الشاعر عن التحديات التي يواجهها المجتمع بسبب التفرقة والظروف الصعبة، ولكنه في نفس الوقت يوجه رسالة تفاؤل وأمل في التغيير. لا يقتصر الحديث على الألم فقط، بل يُبرز قوة الإرادة الجماعية في مواجهة الأزمات. ويُظهر الشاعر أن التضامن الاجتماعي يمكن أن يكون سبيلًا لمواجهة الظلم والعدوان.

كما يُعبّر الشاعر عن التمسك بالمبادئ الإنسانية في مواجهة الانقسامات الداخلية التي تُهدد الوحدة:

“أَبَيْنَ نُفُوسِنَا الشَّقُّ الْبَعِيدُ
أَبَيْنَ قُلُوبِنَا بِيدٌ وَبِيدُ
أَلَا من مُنْكِر يَغْتَالُ دَمْعي
فنَارُ الحَقْدِ فِتْنَتُهَا وَلُودُ”

هنا، يُظهر الشاعر أن المجتمع لا يزال يتمسك بقيمه الإنسانية، ويشدد على أهمية التضامن الداخلي في مواجهة أي تحديات تُعيق التقدم أو الوحدة. الرسالة الأساسية هي أن القوة تكمن في الوحدة وفي التمسك بالمبادئ التي تضمن العدالة لجميع أفراد المجتمع.

وتتوالى دعوات الشاعر إلى الوحدة والتضامن بين أفراد المجتمع، حيث يعبر عن الأمل في نهضة الأمة، ويُظهر في هذه الأبيات:

“يا رسولَ اللهِ أدرك قدسَنا
إنها العطشى وتشكو الإحنا
أشعلْ التأريخَ فينا نهضةً
واقتداراً كي نباري الزمن
وارفع الإسلام صوتا هادرا
لينال الشعب قطفا وجنى”

هنا، يتوجه الشاعر إلى الرسول في دعوة لتسليط الضوء على قوة الأمة وقدرتها على التجدد والتقدم. الأبيات تعكس أملًا في المستقبل، حيث يُدعو الشاعر الأمة للعودة إلى قيمها الأصيلة والعدالة التي تضمن لها التقدم والازدهار.

ويُظهر الشاعر في العديد من الأبيات أن التغيير الاجتماعي ليس أمرًا مستحيلًا، بل هو ممكن إذا توافرت الإرادة الجماعية. في هذه الأبيات، يعبر عن الأمل في تحول المجتمع من الجدب إلى الازدهار:

“فَكَمْ أَرْضٍ بِوَادِي الْعَرْبِ قُفْرٍ
عَلَتْ كَعْبًا وَقَدْ شَقِيَتْ عُهُودًا
فَأَخْصِبْ زَرْعَهَا تَمَرًا جَنِيًّا
وَأَعْقَبَ جَدْبَهَا نِدًّا وَعُودًا”

يؤكّد الشاعر في هذه الأبيات أن الظروف السيئة يمكن التغلب عليها من خلال العمل الجماعي، حيث الإرادة والتضامن هما السبيل لتغيير الواقع، والانتقال من حالة الفقر والجدب إلى الخصب والازدهار.

وإن التمسك بالكرامة و العزة في مواجهة التحديات يظل أحد المواضيع الجوهرية في شعر السيد هاشم الشخص. في هذه الأبيات، يؤكد الشاعر على أن الكرامة لا تُمنح بل تُكتسب عبر الكفاح المستمر:

“المجد صرح بالدماءِ مشيَّدٌ
وسبيله للطالبين معبَّدٌ
ما عاش من رضيَ الحياةَ بذلةٍ
فالعز من در الكفاح يزوّدُ”

هنا، يشير الشاعر إلى أن الكرامة و العزة تأتي من خلال المقاومة والتمسك بالمبادئ في مواجهة أي تحديات قد تقف في طريق الحرية و العدالة.

ويتوجه الشاعر في هذه الأبيات، مجددًا إلى الوعي الجماعي والتأكيد على ضرورة التقارب الاجتماعي بين أفراد المجتمع:

“إلينا إلينا فالتقارب وحدة
وميثاقنا أنّا على الشر نربعُ
وما ضاع قوم بالكتاب غرامهم
وإن ضاقت الأحداق فالقلب مرتع”

هنا، يُبرز الشاعر أن الوحدة بين أفراد المجتمع ضرورية لتحقيق العدالة، ويُؤكد على أن الكتاب هو الأساس الذي يجب أن يستند إليه المجتمع في تحقيق حقوقه.

ختام المسك:
إن ديوان “بلابل وأبابيل” يُعبّر عن الهم الاجتماعي في شعر السيد هاشم الشخص، حيث يضع الشاعر قضايا الظلم الاجتماعي، العدالة، و الوحدة في قلب شعره. من خلال التضامن الجماعي والتمسك بالمبادئ الإنسانية، يدعو الشاعر إلى التغيير الاجتماعي ويُظهر أن الحلول تكمن في التعاون المشترك بين أفراد المجتمع.